أليس غريباً أن تأتي معظم حالات الإبداع في لحظات النعاس أو بين النوم واليقظة!؟
في تلك اللحظات التي ينفصل فيها المرء عن الواقع وتضعف فيها قوانين المنطق والمعقول! هذه المرحلة تدعى في علم النفسHypnagogic State وفيها قد يسمع المرء ويتخيل أشياء غريبة وغير معهودة.
ولو تذكرنا جيداً كثيراً ما تكرر في سير الأقدمين قولهم:
”رأيت بين النوم واليقظة كذا وكذا أو أوحي إلي كذا وكذا”.
وعن هذه الحالة يقول أبو حيان التوحيدي (في كتاب المقابسات): ”الحال التي بين النوم واليقظة هي التي تشرح للإنسان أموراً قد فاتته بأعيانها وسبقته بجواهرها”.
كما يقول عنها أبو حامد الغزالي (في كيمياء السعادة)”اعلم أن للقلب بابين للعلوم ؛واحد للأحلام والثاني لعالم اليقظة، وما يبصر بين النوم واليقظة أولى بالمعرفة مما يبصر بالحواس".
انظروا مثلاً إلى قوى الجاذبية وكيف تؤثر على أجسامنا وتحركاتنا.أليس غريباً أنها تفعل ذلك منذ ملايين السنين ولكن لم ينتبه إليها غير اسحق نيوتن. فقد كان – كما تروي القصة المشهورة – مستلقياً تحت شجرة تفاح حين سقطت فوق رأسه تفاحة يانعة. وبدل أن يأكلها سأل نفسه “لماذا سقطت إلى الأرض ولم ترتفع إلى السماء!؟”.
وبالطبع لو كان في حالة ذهنية “عادية” لما سأل هذا السؤال المجنون. فالتفاحة تسقط إلى الأرض (لماذا؟) لأن كل الأشياء ببساطة تفعل ذلك. غير أن نيوتن كان في لحظات انعتق فيها عقله من المنطق والمفروض وتجاوز أجيال كثيرة من المسلمات والمشاهد المعتادة.
ومن المعتقد أن معظم العباقرة والمبدعين خبروا هذه التجربة.
فكما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية – بين النوم واليقظة – اكتشف البيروني محيط الأرض وأرخميدس قانون الطفو ومندليف الجدول الدوري وأوغست تركيبة البنزين.
وقد شرح هذا الأخير الطريقة التي أتاحت له اكتشاف حلقة البنزين فقال أنه استسلم ذات يوم إلى إغفاءة قصيرة قرب المدفأة.ومن فرط انشغاله بتلك المعضلة رأى ذرات البنزين تطارد بعضها بعضاً وتتراجع الذرات الأصغر لتأخذ مكان المؤخرة. وفجأة تحولت تلك الذرات إلى أفاعي وأطبقت إحداها بفمها على ذيلها.
وبسرعة انتبه من غفوته وأدرك أنه اكتشف “الحلقة المغلقة” لمركبات البنزين.وتشير سيرة الكاتب الانجليزي روبرت ستيفنسون إلى أنه كان من أكثر المبدعين استغلالاً لفترات النعاس والغفوة.
فأمراضه الكثيرة حالت بينه وبين النوم العميق فأصبحت أحلامه مليئة بالقصص الخصبة التي كان يسارع لكتابتها فور استيقاظه.واعترف في كتابه ”عبر السهول” أنه كان يحلم بالقصص متسلسلة وأنه تعلم بدء الحلم من النقطة التي انقطع فيها آخر مرة.
وذات مساء رأى بين الحلم واليقظة رجلاً ينقسم إلى شخصين (بفضل مسحوق سحري) الأول مسخ يطارده رجال الأمن (ويدعى هايد)،والثاني طبيب نبيل (ويدعى جاكل)،ومن هذا الحلم الغريب كتب قصته المشهورة الدكتور جاكل ومستر هايد!
وفي الحقيقة يمكن لأي شخص استغلال مرحلة (ما بين النوم واليقظة) للإبداع والتميز،المهم هنا هو أن تتعلم إطلاق الفكرة (التي تريد تطويرها) في تلك المرحلة بالذات.
على سبيل المثال تخيل (في ساعات اليقظة) الشكل الخارجي لمنزل المستقبل.ثم احتفظ في ذهنك بالنموذج الذي توصلت إليه وتذكره جيداً.وحين تذهب للسرير وتشعر بالنعاس استرجع هذا النموذج وأجرِ عليه (بلا تردد) تعديلات غير مألوفة.
إن فعلت هذا سترى كيف تتحول أبعاد المنزل إلى نماذج سيريالية فريدة،وكيف تتحول الواجهة الرخامية المألوفة إلى قصر سحري من عالم الأساطير أو ألف ليلة وليلة.
هناك 6 تعليقات:
ذكرتيني عندما كنتُ أصغر سناً و ألعب لعبة هاري بوتر ... كنت مولعة بها كثيراً و أنوي ختمها قبل إخواني ... وقتها كنتُ كلما أصل لمرحلة لا أدري أين وجهتي القادمة ... وأيأس وأتركها ... ليلاً وقبل النوم أقول لنفسي ماذا لو ذهبت للمكان الفلاني ... وحقاً ثاني يوم يكون هذا هو مفتاح اللغز الذي نسيت !
شكراً على المعلومة سأحاول تطبيقها :)
بتهيألي انه كلنا مرينا بحالات مثل هيك .. فعلا اجمل الكلمات تأتي على بالنا في حالات النعاس وبين اليقظة والنوم .. لذلك احتفظ بقلم ودفتر بجانب رأسي حتى ادون كل ما يخطر على بالي قبل ان تتبخر في الهواء ..
شكرا لك موضوع حلو مع تحياتى لك
نور
الأخت العزيزة/ قطرة وفا
الذكريات ... جميل أن يبقى شيىء ما فى أعماقنا ... نستحث خروجة كل حين.
تحياتى لروحك الطيبة ... وعندى مشكلة فى الدخول إلى مدونتك ... حيث يتم عمل بلوك عليها بعد فتحها بثلاث ثوانى.
أرجو معرفة السبب
تحياتى
الأخت الغالية / وجع البنفسج
ليس كلنا أو معظمنا من يراوده ذلك الإحساس ونسميهم مبدعون.
تحياتى لروحك الطيبة ودمتى سعيده
الأخت الفاضلة / نور القمر
كل الشكر على المتابعة والتعليق
تحياتى
إرسال تعليق