الجمعة، 13 يناير 2012

الهُدهُد



يسكن هذا الطائر في جحور الأشجار أو الجحور الصخرية الضيقة وحتى في المباني القديمة, وتجلس الأنثى 12-15 يوماً على بيضها كفترة حضانة حتى تفقس, الذكر يطعم الأنثى أثناء فترة الحضانة ويطعم الصغار بعد الفقس, وعادة ما يحتضن صغيرين كل عام بحيث يغادرون العش بعد 26-32 يوماً من التفقيس، وله قابلية عجيبة في طلب الماء والكشف عن تواجده تحت الأرض.

يتميز بسرعته الفائقة في الطيران والعدو، ومن صفاته المميزة أيضاً أنه يتمكن أن يبعد أي حيوان ضار أو مفترس عن عشه وصغاره عن طريق رش رذاذ أسود زيتي برائحة كريهة من غدة بقاعدة الذيل تبعد أي متطفل، بل وحتى الصغار يستطيعون ذلك إن أحسوا بالخطر.

يتميز هذا الطائر برشاقته وحسن مظهره وخصوصاً مع تلك النتوءات الريشية أو القزعة الموجودة في مؤخرة رأسه, طوله حوالي 31 سم وألوانه تختلف حسب المناطق، فمنها الدارسينية -نسبة للقرفة أو الدارسين وهو نوع من البهارات البنية الداكنة- ومنها الكستنائي مع أجنحة مخططة أو ملونة بالأبيض والأسود.

منقاره معقوف طويل وقوي وأجنحته دائرية تقريباً، أرجله قصيرة وذيله مربع، والريش الجميلة في مؤخرة رأسه قد تتحول لشكل مروحي عندما يستثار، ويعمل على نفخ ريش رقبته عند المناداة, وعند الخطر يومض برأسه.

يتناول الأعشاب من البراري المفتوحة ويفضل الحشرات كالديدان ويرقاتها اللينة التي يلتقطها من الترب وفتحات الصخور الضيقة باستخدام منقاره الطويل، كما ويأكل الحيوانات الصغيرة كالسحالي والعضايا. وقد يأكل بمفرده أو مع زوجه خلال فترة تربية الصغار خصوصاً في فترات الربيع والصيف، وبقية الأوقات قد يتغذى بشكل جماعي.

والهدهد في العادة نوع من الطير في رائحته نتن، وفوق رأسه قزعة سوداء، وهو أسود البراثن، أصفر الأجفان، يقتات الحبوب والدود، ويرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض فإذا رفرف على موضع علم أن فيه ماء.

وقال الجاحظ : أن الهدهد هو الذي كان يدل سليمان على مواضع الماء في قعر الأرض ، وقد ذكروا في سبب نتن رائحته أن ذلك عائد إلى أنه يبني بيته من الزِّبل، أو إلى تلك الجيفة المنتنة في رأسه، وقيل : بل هو منتن من نفسه من غير عرضٍ عرَضَ له، شأنه في ذلك شأن التيوس والحيات وغيرها.

والعرب يضربون المثل بقوة إبصار الهدهد فيقولون : أبصر من هدهد، كما يقولون: أبصر من غراب وأبصر من عقاب وأبصر من فرس.

يصف ويثربي وباحثون آخرون (Witherby et al’s) بعض تصرفات طائر الهدهد في بحوث نشرت عام 1943م، بأنه يمشي بهدوء ويركض أحياناً بتلازم حركي بين الرجل والرأس، وهو مغرم بالاستحمام بالرمل, يأكل أساساً من الأرض وغذاءه الرئيس في المناطق العشبية على الديدان واليرقات والحشرات، ويقوم برفع ريش الطوق الرأسي المميز له عند الانفعال والخوف والنشاط بينما يخفضه عند الراحة،

وله صفة التملص من المطاردين الرئيسين له كالباز والصقر والبوم وغيرهم بواسطة الطيران السريع والمتميز فراراً منهم أو بواسطة عمل تمويه أرضي بواسطة عمل حمّام الرمل له ليتخفى منهم، ويعيش في الأشجار والمباني القديمة والجدران والجحور الصخرية.

أثبت الباحثين ديفيد ليجون (J. DAVID LIGON) وساندرا ليجون (SANDRA H. LIGON) من قسم البايولوجيا في جامعة نيوميكسيكو بأن الهدهد من أكثر الطيور تعاوناً ومحبة للمساعدة خصوصاً لأفراخ من أعشاش أخرى تابعة لأبناء جنسه

وأثبتوا خلال تجاربهم على الهدهد الأخضر (the green wood-hoopoe (Phoeniculus purpureus)) أن تلك الخاصية من أهم خصائصه الاستراتيجية التي يؤديها وكأنه يؤدي مصلحة ذاتية لنفسه مما يبعد الاعتقاد القديم السائد أن الحيوانات ومنها الطيور تمتلك فقط صفات عدائية تجاه غيرها.

وفي قصة سيدنا سليمان مع استخباراته المتمثلة بطائر الهدهد.

قال الله تعالى:﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ (22)إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24)أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32).﴾، (النمل).

الهدهد في قصة سيدنا سليمان عليه السلام:

لعل ما ذكرناه من الآيات الكريمة من سورة النمل تحكي لنا قصة هدهد سليمان عليه السلام، وتروي لنا العجيب من خبره مع هذا النبي العظيم , وابتداء لا بد أن ندرك أن هذا الهدهد لم يكن هدهداً من عامة الهداهد وإنما هو هدهد معين خاص، وقد دل على ذلك أن الله قال: { مالي لا أرى الهدهد} ( ولم يقل : مالي لا أرى هدهداً من عرض الهداهد، فلم يوقع قوله على الهداهد جملة، ولا على واحد منها غير مقصود إليه ،ولم يذهب إلى الجنس عامة، ولكنه جلّ في علاه قال: {الهدهد } فأدخل في الاسم الألف واللام، فجعله معرفة فدل بذلك القصد على أنه ذلك الهدهد بعينه، وكذلك غراب نوح، وحمار عزير، فقد كان لله فيه وفيها تدبير، وليجعل ذلك آية لأنبيائه، وبرهانا لرسله ).

- وروي أنه عليه الصلاة والسلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج فوافى الحرم وأقام بها ما شاء ثم توجه إلى اليمن فخرج من مكة صباحا فوافى صنعاء ظهيرة فأعجبته نزاهة أرضها فنزل بها ثم لم يجد الماء – وكان الهدهد رائده لأنه يحسن طلب الماء – فتفقده لذلك فلم يجده إذ حلق حين نزل سليمان فرأى هدهدا واقعا فانحط إليه فتواصفا وطار معه لينظر ما وصف له ثم رجع بعد العصر وحكى ما حكى ولعل في عجائب قدرة الله وما خص به خاصة عباده أشياء أعظم من ذلك يستكبرها من يعرفها ويستنكرها من ينكرها.

وفي قوله سبحانه وتعالى: ﴿ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)﴾.

ومن هذا فإن تفاسير الآيات تركز على ما جرى من حديث بين سيدنا سليمان عليه السلام وبين الهدهد الذي كان بمثابة وكالة انباء ناقلة لأخبار الأمم والشعوب والملوك في ذلك الزمان وهي إحدى أهم الأسباب المادية التي امتلكها سيدنا سليمان عليه السلام ولعل في ذلك تنبيه للأمة من خطورة الإعلام والصحافة والاستخبارات.

ورغم أننا نعلم أن تسخير الطير والجن لسيدنا سليمان عليه السلام هو معجزة ربانية ولكننا هنا نحاول تفهم ذلك السبق القرآني في مجال اختيار هذا الطائر دون غيره وما السر في ذلك؟

لو أردنا أن نعرف الطائر الأسرع في الجو فهو بكل تأكيد الباز أو الشاهين القناص الغواص المعروف بالفالكون (Peregrine Falcons) إذ تبلغ سرعته أكثر من 100 ميل بالساعة في حالة غوصه لاصطياد فرائسه, ولكن هذا الطائر لا يصلح للمراقبة لأنه يجلب له الأنظار بسبب خوف الناس منه، لذلك فاختياره كمراقب وناقل قد لا يصلح رغم سرعته وقوة ملاحظته.

وأما الحمام فرغم كونها كفوءة ملاحياً في نقل الرسائل كما اعتادت على ذلك الحضارات القديمة فهي قد لا تصلح في نقل الأخبار لمسافات بعيدة جداً كتلك التي بين القدس وسبأ لأنها لا تملك خاصية دفاع عن نفسها في حال مهاجمتها كما يفعل الهدهد كما وأنها بطيئة على الأرض ولا تتحمل الجوع لفترات طويلة وضعيفة أمام مغريات إطعامها.

ولقد بينت الدراسات الحديثة أن الهدهد أكفأ من الحمام في استخدامات النقل والاتصال، فهو أسرع طيراناً ولا يحتاج للجماعة في طيرانه وقوة دفاعه عن نفسه أكفأ وتحمله للجوع والعطش أكثر فضلاً عن ذكاءه ومكره المشهور بهما.

لذلك والله أعلم كان الاختيار الأفضل للهدهد من بين بقية الطيور فهو يحمل خصائص فريدة من نوعها.

الخصائص التي تميز الهدهد عن غيره لتجعله رسولاً متميزاً:

1. طائر غير جارح وغير مخيف.

2. سريع جداً في الطيران والعدو.

3. يتحمل الظروف الصعبة.

4. ذكي ومراوغ.

5. قابلية تخفي ودفاع عن النفس بشكل رائع وسلمي وباستخدام عدة طرق مثل أخذ حمام رملي ومن ثم الطيران قرب الأرض كي لا يميزه الناظر عن شكل الأرض فلا يعرف اتجاهه أو باستخدام تقنية رش رذاذ أسود زيتي برائحة كريهة من غدة بقاعدة الذيل تبعد أي متطفل كما بينا آنفاً.

6. لا يحتاج للجماعة في طيرانه وهجرته مما يجعله صعب المراقبة في معرفة الاتجاه.

7. له قابلية ملاحية متميزة في معرفة الاتجاهات لا تقل عن الحمام.

8. له قابلية عجيبة في طلب الماء والكشف عن تواجده تحت الأرض.

ولعل تلك المميزات هي التي أهلته ليكون بتلك المنزلة والثقة التي أوليت له من قبل سيدنا سليمان عليه السلام، على أن ذلك قد يوحي بأن ذلك الهدهد كان من نوع خاص وتم تربيته وتدريبه بعناية فائقة، والله تعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات: