الثلاثاء، 21 سبتمبر 2010

الفــــــرح





كنت قد حدثتك قبلا يا صديقي عن الحب ، وقت كان الحديث يسيرا والكلمات طيعة، وكانت الحروف أطفال تلهو فتغزل السطور تلو السطور، والان تسائلني الحديث فاخجل ان احادثك عن شيء غير الفرح فانت بعد لازلت صغيرا علي احاديث الشجون، نزقا علي احاديث الصبر، عفيا علي احاديث القنوط
سيكذبون يا صغيري ويحدثوك عن الرجال وحزن الرجال وهم الرجال والفرح الذي تكتفي منه بالابتسام، سيحدثونك عن وقار الحزن وجلال الصمت فلا تنصت.

فالفرح يا صغيري عزيز حد الندرة، غال كحجارة الزفير، شحيح كالعنبر متمنع كغانية رقيق كزهر اللوز يتسلل كنسيم الصيف فان احتجبت انصرف فلم يعد أبدا
سيقابلك الحزن كثيرا كثيرا فما الحاجة للوصف، دعك منه فالحزن يروح ويجئ وتمحوه علي كثرته ابتسامة لاهية أو ومضة عشق.

أما الفرح يا صغيري لا يملك جرأة الحزن فيأتي علي استحياء يعرض عليك الابتسام فتقبل او ترفض ولا تلومن الا نفسك، سيأتيك الفرح مرات ومرات فلا تصدقهم حين يعلنوا موت السعادة وأبدية الحزن فقط عليك الا تخجل من الابتسام كما نخجل من الدموع، لا تترقب لحظات الفرح كمن يقتنص طير محلق فالفرح ينتقي الأعين التي يسكنها صانعا علي جانبيها تجاعيد ثلاث كوسم أبدي كأنما يوسمها ليعرفها من جديد مهما اكتحلت من الحزن.

فلما يأتيك بطيف سعيد فلا تخجل من الابتسام ومد الأنامل للأفق تتصيد الأطياف فما أدراك أي طيف يحلق ينتظر أصابعك الشغفة، وأي رؤيا تنتظر اغماضة الأعين لتزورها مطمئنة
وان يأتيك بروح طفلة اصرف عنك جدل النحاة وعلم العلماء وشغف الفلاسفة فالفرح طفل لاهي يسكن ما بين السطور، قد يغزل ابيات الشعر ويجدل جدائل القصص لكنه حين يسكنك تٌطوي الصفحات كلها وتفقد الكلمات قدرتها علي التعبير ويطل من بين الكلمات فتستحيل اللغة طفلا والكون سكون.

عليك فقط حين يقتسم الحزن والفرح الكون مناصفة كل ليلة ويختارك الفرح ان تصحو من نومك مبتسما مستخدما مفردات يومك مرآة لذاتك الفرِحة، وان استطعت يا صغيري ان تتركه ينعكس علي الموجودات حولك فهذا هو الحمد، وان استطعت عدوي المنصرفين الي الحزن طواعية بخيال ابتسامة فهذا هو انتصار، وان صادفت روح طفلة تسكن ذاتك ترتعش فرحا لمرأي الفجر أو زهر الربيع فهذا درب من التصوف غير الزاهد –وكنت قد حدثتك عنه قبلا- أما ان استطعت ان تفترش الفرح وتلتحفه ولو ليلة فقد بلغت الحكمة.

سيحدثونك عن حكمة الشيوخ ومهابة الحزن التي تسكن ملامحهم فلا تكترث، فالحكماء يا ولدي قد رأوا الكثير من الفرح والحزن .. والحب، واختلطت في خطوط الشيب قصص العشق بالموت والخوف بالثورة والهزائم بالافراح الصغيرة حتي لا تجد بين الخطوط ما يخبرك بأي الأمور مر هذا الشيخ وأي لم يختبر، الا الفرح يا صغيري فانك لواجده في التماعة العين العجوز، حدث شيخا عن الحب، عن طفل يلهو، عن ارتعاشات العشق ودفء القلوب عن الضحكات ماسية الصفاء وخفة الروح عند الفرح، وراقب العيون حين تلتمع فتنفض من السنين شيئا كثيرا وتجاعيد الجفون حين تصاغ من جديد فترسم اقواسا كالأهله حول العيون اللماعة بالفرح. وحدثني وقتها عن الحكمة الحقة التي لا تصوغ الأرواح ولا تثقلها فتبقيها طفلة مهما تغضنت الجباه أو شاخت اللحي.

أقول .. لا تصدق شيخا لم يخبر الحب ولا شيخا يحترف الحزن.


ليست هناك تعليقات: